(CNN)-- عندما أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى "التقلبات والمنعطفات" في علاقته بنظيره الأمريكي دونالد ترامب في كلمته الافتتاحية لقمتهما هذا الأسبوع، لم يكن ليتخيل التقلب الذي حدث قبل دقائق من بدء المحادثات.
ففي منشور كتبه من على متن الطائرة الرئاسية، التي كانت في طريقها إلى مطار كوريا الجنوبية حيث كان من المقرر أن يلتقي شي، أصدر ترامب تعليماته لوزارة الدفاع (البنتاغون) باستئناف التجارب النووية بعد توقف دام 33 عاما، مشيرا إلى قدرات دول أخرى- بما في ذلك الصين- في هذا المجال، وكتب الرئيس الأمريكي على مواقع التواصل الاجتماعي: "ستبدأ هذه العملية فورا".
وفاجأ هذا التوجيه حتى العديد من مستشاري ترامب، وفقا لما قاله مسؤولون لشبكة ، مما أدى إلى تساؤلات لم تُجب عليها حول موعد بدء الاختبارات، أو ما إذا كانت ستبدأ بالفعل.
وتاريخيا، وزارة الطاقة هي التي تُحافظ على المخزون النووي الأمريكي وتُختبره، وليست وزارة الدفاع.
وقال المهندسون إنه يمكن إجراء اختبارات دقيقة من خلال محاكاة حاسوبية، وليس من خلال تفجير رأس حربي حقيقي تحت الماء أو في صحراء نيفادا.
قد يهمك أيضاً
وبعد ساعات من نشر الرئيس الأمريكي لمنشوره، لم يبدُ أن "البنتاغون" تتحرك بسرعة لاختبار سلاح نووي.
وفي شهادته أمام الكونغرس، قال القائد العسكري الكبير المعين للإشراف على الترسانة النووية الأمريكية، الخميس، إنه لم يكن "يقرأ أي شيء" في منشور ترامب على تعليمات أصدرها بهذا الشأن.
وأكد المنشور المفاجئ على النهج المتقلب الذي يتبعه ترامب في الشؤون الخارجية بعد تسعة أشهر من توليه منصبه ثانية.
فحتى بينما كان على وشك عقد اجتماع يهدف إلى إضفاء الاستقرار على أهم علاقة ثنائية في العالم، أبدى ترامب استعداده للتحول فجأة في اتجاه غير متوقع.
لم يُقدّم مسؤولو الإدارة الأمريكية الكثير من التوضيحات عند سؤالهم عن الإعلان، الخميس، فيما قال نائب الرئيس جيه دي فانس أثناء ردّه على أسئلة الصحفيين في البيت الأبيض: "أعتقد أن كلمات الرئيس تتحدث عن نفسها، لدينا ترسانة ضخمة، من الواضح أن الروس لديهم ترسانة نووية كبيرة، والصينيون لديهم ترسانة نووية كبيرة، أحيانًا يتعين عليك اختبارها للتأكد من أنها تعمل بشكل صحيح."
وأضاف: "للتوضيح، نحن نعلم أنها تعمل بشكل صحيح، ولكن يجب متابعتها باستمرار، والرئيس يريد فقط التأكد من أننا نفعل ذلك."
ترامب يحذر
ومنذ ولايته الأولى، حافظ ترامب دائمًا على علاقة معقدة نوعًا ما بالأسلحة النووية التي يمكنه إطلاقها من حقيبة آمنة أينما ذهب.
بصفته نتاجًا للعصر النووي، أبدى ترامب مؤخرًا حذره من مجرد ذكر الكلمة نفسهاـ حيث قال للجنرالات الشهر الماضي: "لا يمكننا السماح للناس بالتلاعب بهذه الكلمة"، ولكنه بدا أقل حذرًا في إعلانه هذا الأسبوع، حيث قال عبر منصته "تروث سوشيال": "تمتلك الولايات المتحدة أسلحة نووية أكثر من أي دولة أخرى، وقد تم تحقيق ذلك، بما في ذلك التحديث والتجديد الكامل للأسلحة الموجودة، خلال ولايتي الأولى في المنصب. ونظرًا لقوتها التدميرية الهائلة، كرهتُ القيام بذلك، لكن لم يكن لدي خيار آخر ولكن بما أن الآخرين يُجرون اختبارات، أعتقد أنه من المناسب أن نفعل نحن أيضًا".
وأضاف أنه سيتم تحديد مواقع التجارب النووية لاحقًا، وأوضح أن رسالته لا تتعلق بالصين- على الرغم من أنه ذكرها تحديدًا في رسالته، وقال بشكل غامض: "كان الأمر متعلقًا بآخرين".
قد يهمك أيضاً
وذكر بعض المسؤولين أن ترامب ربما يكون قد تأثر بتجارب موسكو خلال الأيام الأخيرة لصواريخ كروز وطوربيدات نووية، رغم أن وجودها كان معروفًا بالفعل ولم تتضمن التجارب تفجيرًا نوويًا.
ووفقا لمسؤول سابق في إدارة ترامب عمل في القضايا النووية، لا يوجد معادل أمريكي لتلك الأنظمة الروسية يمكن اختباره لإثبات التكافؤ، لأن الولايات المتحدة قررت منذ عقود أن تطوير تلك الأنظمة غير مجد.
الصين قد تستفيد
ولم تُجرِ الصين ولا روسيا أي تجربة نووية منذ عقود، وبينما عملت بسرعة على توسيع ترسانتها، فإنه من غير المعروف أنها أجرت أي تجربة تفجيرية منذ 1996.
ومع ذلك، أثار التعزيز السريع للأسلحة النووية في بكين قلق مسؤولي إدارة ترامب، الذين يعتبرون هذه القضية نقطة خلاف أخرى في علاقة متوترة بشكل متزايد، وترأس شي عرضا للصواريخ الصينية ذات القدرة النووية الشهر الماضي.
وقال إلبريدغ كولبي، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للسياسات، خلال جلسة تأكيد تعيينه هذا العام: "أكملت روسيا تقريبًا تحديث جميع قواتها النووية، والصين تُحدّث ترسانتها بسرعة مذهلة".
ومع ذلك، إذا كان ترامب يأمر بإجراء أول اختبار لقنبلة نووية أمريكية منذ 1992، فقد كان ذلك بمثابة خبر غير سار للضابط العسكري الذي رشّحه للإشراف على ترسانة البلاد الهائلة من الأسلحة النووية.
وقال نائب الأدميرال ريتشارد كوريل، الذي رشّحه ترامب لرئاسة القيادة الاستراتيجية الأمريكية، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ يوم الخميس: "لا أفترض أن كلمات الرئيس تعني إجراء تجارب نووية"، وأضاف: "أعتقد أن العبارة كانت: 'ابدأوا باختبار أسلحتنا النووية مثلهما، ولكن لم تُجرِ الصين ولا روسيا أي اختبار نووي، لذا لا أُعلّل ذلك بأي شيء".
وفي حال تأكيد تعيينه في هذا المنصب، سيكون كوريل مسؤولاً عن أكثر من 41 ألف جندي يُعنون بمكونات برنامج الأسلحة النووية الأمريكي، بما في ذلك الغواصات والصواريخ الباليستية وقاذفات القنابل التابعة لسلاح الجو، وكان شغل منصب نائب قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية منذ 2022، لذا سيكون من غير المعتاد ألا يكون على علم بتغيير في الوقف الاختياري للتجارب النووية المستمر منذ عقود.
ولم تُغيّر إدارة ترامب سياسة التحديث النووي التي وُضعت خلال السنة الأخيرة من إدارة الرئيس السابق جو بايدن، بهدف تغيير مسار الخطة الاستراتيجية لردع الصين عن تعزيز ترسانتها النووية.
لكن إجراء تجربة نووية قد يُعيق استراتيجية التحديث هذه، لأنه سيُعيد توجيه تركيز المسؤولين العاملين على تلك الجهود الجارية، وفقًا لمسؤولين أمريكيين سابقين عملوا في القضايا النووية.
كما أن هناك مخاوف لدى هؤلاء المسؤولين من أن إعلان ترامب عن نيته إجراء تجارب نووية أمريكية سيُفيد الصين بالفعل، وليس الولايات المتحدة.
وقال مسؤول أمريكي كبير سابق إن "مجرد الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قد تستأنف التجارب النووية قد يعطي الضوء الأخضر للصين لاستئناف التجارب التفجيرية، وستستفيد الصين أكثر من أي طرف آخر نسبيًا إذا استؤنفت التجارب، ولا يوجد سبب تقني يدفع الولايات المتحدة للقيام بذلك الآن لكن بالنسبة للصين، يمكنها تطوير قدراتها تقنيًا".
ومع ذلك، لطالما تعامل ترامب مع الأسلحة النووية بمزيج من الانبهار والتهديدات، ففي أغسطس/آب، أعلن أنه سيأمر بتمركز غواصتين نوويتين استراتيجيًا بالقرب من روسيا ردًا على ما وصفه بتصريحات عدوانية من ديمتري ميدفيديف، الرئيس السابق للبلاد ونائب رئيس مجلس الأمن الحالي. ولم يوضح قط ما إذا كان يشير إلى الغواصات ذات القدرات النووية، أم مجرد الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.
وفي لحظة توتر شديد خلال ولايته الأولى، سخر ترامب من كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية- الذي يُعد اختباره تحت الأرض عام 2017 آخر مثال معروف على التجارب النووية التفجيرية- بسبب الحجم النسبي لـ"زره النووي"، حيث كتب ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي: "أنا أيضًا أملك زرًا نوويًا، لكنه أكبر وأقوى بكثير من زره، وزرّي يعمل".
وفي النهاية، تحسّنت علاقاته مع كيم، والتقيا شخصيًا 3 مرات - على الرغم من أن ترامب لم ينجح قط في إقناع الزعيم الكوري الشمالي بالتخلي عن أسلحته النووية.
والآن، يبدو ترامب متفائلًا ببدء التجارب سريعًا - على الرغم من أن سرعة ذلك قد تعتمد على استعداده لخرق القواعد الدولية.
غموض بشأن التنفيذ
وقال جون وولفستال، المدير الأول السابق للحد من التسلح ومنع الانتشار في مجلس الأمن القومي، والذي يشغل الآن منصب مدير المخاطر العالمية في اتحاد العلماء الأمريكيين: "إذا احتاجت الولايات المتحدة إلى إجراء تجربة نووية فورية للتحقق، على سبيل المثال، من أن بعض أسلحتها تعمل أو لأغراض سياسية، فقد تنتهك عددًا كبيرًا من المعاهدات التي تحظر القيام بذلك في الغلاف الجوي وقد يحدث ذلك في غضون أسابيع أو ربما أشهر".
وأضاف: "لدى الولايات المتحدة موقع تجارب خارج نيفادا مباشرةً، حيث أجرينا هذه التجارب في التسعينيات وما قبلها، لكن ليس من المتوقع إجراء اختبارات في أي وقت قريب، ويستغرق تجهيز الاختبار علميًا لضمان الحصول على البيانات اللازمة سنوات".
وتابع: "أفترض أيضًا أن ولايات مثل نيفادا وغيرها سترفع دعاوى قضائية لمنعه من القيام بذلك، لذا، ما زلنا على بُعد سنوات عديدة من القدرة على إجراء تجارب نووية تفجيرية".

 
            





 
                
            
0 تعليق