سيدتي، ممتن لأنني حظيت اليوم عبر هذا المنبر بهذه الفرصة التي ستمكنني من طرح مشكلتي التي لم أجد لها، فأنا أتخبط في غياهبها منذ زمن و لست أظن نفسي قادرا من دون المشورة والنصيحة أن أتخطى عواقبها. أرتمي بين يديك اليوم وأنا أناجي الله الخلاص.
وأنا أتصفّح كتاب حياتي وجدت أن في رصيدي الكثير من الأمور الموهنة المتعبة، وازنتها بما عشته من مسرات وأفراح، فوجدت أن هذه الأخيرة تعدّ على الأصابع.هذا بإختصار فحوى قصتي سيدتي وهذا ما أريد أن أبلغه من خلال اتّصالي بكم عبر منبر صفحتكم الغراء، فأنا أود أن أعرف إن كان بوسعي التعافي من صدمات عديدة عشتها في حياتي قلبتها رأسا على عقب وجعلتها قاب قوسين أو أدنى من أن أعانق السعادة وأستصيغ طعم الحياة.
عشت منذ نعومة أظافري العديد من الصدامات والسجالات مع المحيطين بي، فأنا إنسان سوي نقي ، لماح حساس لا أريد أن تشوب حياتي وعلاقتي بمن حولي أي شائبة، حاولت منذ صغري أن أنصح من حولي بأن يكونوا صافي السريرة، إلا أنني أجدهم يتهكمون عليّ ويصفونني بالغبي الساذج الذي لن ينال من الدنيا ما يريده إن هو دأب على ذات الدرب. لم أعر إهتماما لكل ما تقدم وقلت في قرارة نفسي أنه سيأتيني يوم ألتقي وأجتمع بمن يشبهوني من الصفات والخلالـ، للأسف لم أجد ضالتي وهويت مثلما تهوى الهوينة منكسرا باكيا حظي العاثر.
أدرك كثيرا أننا نحيا في زمن لم يعد فيه للأخلاق مكان، حيث بات للمتدلسين المتملقين ممن لا شخصية سوية لهم الحظ الأكبر، بينما يحيا أصحاب المبادئ على جنب، إنها الدنيا التي أمالت كفة الصلاح وأعلت كفة الطلاح من الناس.
أنيريني سيدتي أيمكن للواقع الذي نحياه أن يتغير؟ أيمكن للقواعد التي أرخت بظلالها علينا أن تتغير إلى ما هو أحسن، وإن لم يكن فهل يمكنني إن لم أتغير أنا وابقي على ذات السجيّة أن أنجو من مخالب البهتان وقليل الشأن؟ أريد أن أنعم بالحياة وأنهل من المسرات وأنا على حسن ثباث.فهل يمكنني ذلك؟
أخوكم م.مروان من الغرب الجزائري.
الرد:
بين ما تلقنه الإنسان من تربيته وجبل عليه بين أحضان أسرته وبين مايصدم بوجوده في مجتمعه يحيا الواحد منا إنتكاسة ما بعدها إنتكاسة، فمن يرغب في التعايش والعيش بسلام عليه أن يدرك أنه يجب عليه أن يجاري الأمور لكن ليس على حساب مبادئه، أخلاقه ونظم مجتمعه التي يجب أن تكونمبنية على أسس الدين الحنيف الذي أتى به سيد الخلق والبرية، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي أتى ليتمم مكارم الأخلاق.
أحسّ بما تعانيه أخي وأدرك أنه من الصعب عليك مجارات ومحاكاة كل ما يحدث حولك من نقائض وإختلافات، لكنني في ذات الوقت أحس ايضا أنك منحت الموضوع أكبر من حجمه، حيث أنك بت ترى الحياة من زاوية جد ضيقة ولم تمنح نفسك الفرصة أو لم تفتك لنفسك مكانا بجدارة من خلال أخلاقك وحسن تربيتك. قال الإمام علي بن أبي طالب في هذا الباب: “لا تؤدبوا أبناءكم بأخلاقكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم” وإن كان في ذلك دعوة للمرء أن يكون مثل الناس لكن ليس من باب التنكيل بقيمته أوكيانه ومبادئه.
عش الحياة التي تتوقها وإصنع لنفسك عالما تحيا به ولأجله، ولأنك ستكون مؤمنا برسالتك فتأكد من أن ما ستحياه من سكينة وحبور سيستقطب إليك من سيؤمنون بك ويرغبون في الإنضواء تحت لواء صفاء السريرة التي تحياها. كذلك عليك أن تتخلص من السلبية في حياتك، فلا يجوز أن تركن التفاؤل والأمل جانبا وتنهل من اليأس والقنوط الكثير.
تأكد أخي أن ما تمر به هو حالة من القلق واليأس وتأكد من أن هاذين الأخيرين يقتلان لديك: الأمل، التأمل، والتفاؤل وفقدان السيطرة على التفكير.وتأكد أخي أنك من المستحسن أن تكون في الطريق الصحيح وحديا عوض أن تكون في الطريق الخطأ مع العديد من الناس الذين لن يهمهم أمرك إن سقطت أو هويت، لان مصالحهم تطغى على كلّ علاقاتهم الإنسانية.
لا تفشل ولا تكن ممن يعلقون رسوبهم في بعض المحطات على مشجب المجتمع والأفراد وأمضي متيقنا من أنك خلقت لتسعد نفسك وليس لتسعد من حولك. إرهاصات الخوف والفشل سرعان ما ستذهب إن أنت تسلحت بالصبر والإرادة وصقلت مواهبك ومضيت بمشاريعك نحو الأمل، ثم تيقن من أننا نحيا بفضل الله وليس بفضل البشر وما مررت به سيكون يوما من الماضي، فكن على ما عشته حامدا، شاكرا لله وراضي.



0 تعليق