بوابة مصر الجديدة

إعلام خلف الخطوط.. استخبارات “قسد” تضيق على الصحفيين

يواجه الصحفيون والناشطون تحديات مستمرة مرتبطة بممارسة العمل الإعلامي في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا، بحسب إعلاميين محليين تحدثوا إلى عنب بلدي.

الكاميرا ومعدات التوثيق الأخرى، التي يفترض أن تكون أدوات لنقل الواقع، يمكن أن تتحول إلى سبب للاستدعاء والتحقيق، في إطار اتهامات تشمل التجسس أو التواصل مع جهات خارجية، فمثلًا، عند نشر أي مواد مصورة تتعلق بالمعتقلين أو الاحتجاجات الشعبية تتخذ القوات الأمنية إجراءات تشمل حملات دهم وتفتيش تطال الهواتف والمعدات، دون أي مراعاة للقوانين.

أحدث هذه الحالات، اعتقال الصحفي فراس البرجس في 8 من كانون الأول الحالي بحسب ما وثقته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وما أكده مراسل عنب بلدي في دير الزور.

وكانت دورية أمنية تابعة لـ”قسد” اعتقلت البرجس من مكان سكنه في منطقة المساكن الشبابية في مدينة الرقة، وهي مساكن مخصصة للإعلاميين، دون إبراز مذكرة اعتقال رسمية، ولا يزال البرجس محتجزًا حتى لحظة تحرير هذا التقرير.

ووجهت “قسد” للبرجس تهمًا تتعلق بـ”التعامل الإعلامي مع جهات تابعة للحكومة السورية”، وبحسب مراسل عنب بلدي في دير الزور فإن ملف البرجس سيتم تحويله إلى “محكمة الإرهاب” التابعة لـ”لإدارة الذاتية” في المدينة.

وتشير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إلى أن محكمة الإرهاب المنشأة في مناطق سيطرة “قسد” هي محكمةً استثنائية، تتشابه في طبيعتها مع محكمة الإرهاب التي أنشأها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، من حيث غياب الأساس الدستوري والقانوني الواضح، واعتماد تعريفات فضفاضة لمفهوم الإرهاب، والانتقاص من ضمانات المحاكمة العادلة، بما يجعلها أداة قضائية ذات طابع أمني تعمل خارج إطار القضاء الطبيعي.

وكانت مصادر محلية وإعلامية من دير الزور أفادت عنب بلدي بتدهور الحالة الصحية للبرجس، في 23 من كانون الأول، في سجون “قسد”، ما استدعى نقله إلى المستشفى العسكري وسط حراسة أمنية مشددة.

انتقادات لـ”ازدواجية المعايير”

استنكر الصحفي مؤيد السحور ما وصفه بـ “الصمت المطبق” حيال قضية البرجس، واعتبر السحور في حديثه إلى عنب بلدي أن غياب التضامن مع الزميل المعتقل يكشف عن “ازدواجية معايير” لدى المنظمات والجهات التي تدعي الدفاع عن حرية الصحافة.

وقال السحور إن “فراس البرجس يُعاقب اليوم بسبب مهنته، ونقله إلى المستشفى العسكري يعكس حجم المعاناة التي يواجهها في المعتقل”. ولو كانت القضية مرتبطة بجهة اعتقال أخرى “تحولت إلى قضية رأي عام واكتسحت منصات التواصل الاجتماعي”، أضاف السحور، منتقدًا ما وصفه بـ “الانتقائية الإنسانية” في التعامل مع انتهاكات حرية التعبير.

وطالب السحور بضرورة رفع الصوت عاليًا للإفراج الفوري عن البرجس، محملًا “قسد” المسؤولية الكاملة عن حياته وسلامته الجسدية، وداعيًا الجسم الصحفي السوري إلى التخلي عن الحسابات السياسية عندما يتعلق الأمر بحرية وسلامة الزملاء.

ويعيش الصحفيين بمناطق سيطرة “قسد” حالة من الترقب المستمر، وسط بيئة عمل يصفونها بأنها “عدائية” وتفتقر لأدنى مقومات حرية التعبير، إذ بات نقل الواقع المعيشي أو توثيق الانتهاكات بمثابة مغامرة قد تنتهي في أروقة التحقيق لدى الأجهزة الأمنية.

وحاولت عنب بلدي التواصل مع المركز الإعلامي لـ”قسد” للحصول على توضيح بخصوص الموضوع، إلا أنها لم تتلق ردًا حتى لحظة تحرير هذا التقرير.

ملاحقات بسبب “رغيف الخبز”

يروي أحد الصحفيين العاملين في المنطقة (فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية) لعنب بلدي كيف تحول تقرير صحفي يتناول “جودة الخبز” إلى قضية أمنية، استدعت تدخل جهاز الاستخبارات التابع لـ “قسد”.

وقال الصحفي “جرى استدعائي عدة مرات مع مجموعة من الزملاء للتحقيق المطول وكان المحققون يسعون لمعرفة هوية الجهة التي طلبت التقرير، واضطررنا للإنكار وإبعاد الشبهات عن أنفسنا بشتى الوسائل لتجنب الاعتقال التعسفي، رغم أننا نحن من قمنا بتصوير وإعداد المادة التي تعكس معاناة الأهالي اليومية”.

“إدارة الإعلام”.. واجهة للرقابة الأمنية

ولا تقتصر المضايقات على الأجهزة الأمنية المباشرة، وتمتد لتشمل مكاتب الإعلام المدنية التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، والتي تمارس دور الرقيب الأمني على الصحفيين بدلًا من الدور التنسيقي.

وبحسب شهادات متقاطعة من إعلاميين يعملون ضمن مناطق سيطرة “قسد” في المنطقة قابلتهم عنب بلدي، فإن أي تقرير يُعرض على منصات أو وسائل إعلام لا تنسجم مع رواية القوات وتوجهاتها يؤدي إلى استنفار مكاتب الإعلام، التي تبدأ فورًا بملاحقة المصورين الميدانيين.

ويؤكد الصحفيون أن التهم الجاهزة غالبًا ما تُلقى على الصحفيين بناء على “خلافات شخصية” أو “كيدية”، الأمر الذي يحول العمل الصحفي في المنطقة إلى “اضطهاد ممنهج” بحسب وصف الصحفيين.

“ازدواجية قسرية”.. واقع معقد

يعيش الصحفيون الذين قابلتهم عنب بلدي في هذه المناطق ما يصفونه بـ “انفصامًا مهنيًا قسريًا”، فبينما يظهرون أمام الحكومة السورية ومعارفهم في مناطق سيطرتها كعاملين في منصات تابعة لـ “قسد” أو مرخصة من قبلها، يعمل الكثير منهم “خلف الخطوط” لنقل الحقائق والانتهاكات والاعتقالات التعسفية التي تقوم بها “قسد” إلى وسائل إعلام خارجية ومعارضة، بالإضافة للتنسيق مع منصات مختلفة لنقل صوت الشارع في تلك المناطق.

ويعتقد كثيرون أن المراسلين والصحفيين جزء من منظومة “قسد” الإعلامية، لكن الحقيقة، بحسب من قابلتهم عنب بلدي، هي أنهم يخاطرون بحياتهم لنقل الواقع كما هو، بعيدًا عن “البروباغندا التي تحاول السلطات هناك فرضها”.

غياب الضمانات

تفتقر مناطق “الإدارة الذاتية” بحسب الصحفيين، لقوانين تحميهم من تغول الأجهزة الأمنية، رغم وجود مكاتب إعلامية واتحادات مهنية، إلا أنها تظل عاجزة عن التدخل في حال كان الخصم هو “الاستخبارات”.

ويبقى التنافس بين الصحفيين في هذه المناطق محكوم بالخوف والتقارير الكيدية، في بيئة يصفها العاملون فيها بأنها “سجن كبير” يُمنع فيه تسليط الضوء على معاناة الأهالي أو انتقاد السياسات المتبعة، مما يدفع العمل الصحفي نحو “السرية” التامة خوفًا من الملاحقة أو التغييب.

وكانت “قسد” اعتقلت مراسل قناة “العربية” السعودية جمعة عكاش في 25 من نيسان الماضي بالقامشلي  بعد كشفه ملفات فساد داخل “الإدارة الذاتية” وذلك إثر نشره منشورًا على “فيسبوك” تحدّث فيه عن قضايا فساد واعتقال مسؤولين أمنيين بتهمة الاتجار بالمخدرات في الرقة.

كما وثقت “رايطة الصحفيين السوريي” احتجاز الإعلامي عثمان درويش (أبو أحمد) من قبل “قسد” في حي الشيخ مقصود، حيث بقي محتجزًا لأكثر من شهرين، قبل الإفراج عنه في حزيران الماضي.

واعتقلت “قسد” كلًا من الإعلامية هبة كوسا في تموز الماضي بالرقة، واحتجزتها في ظروف مهينة وتعذيب جسدي ونفسي، بحسب الرابطة، قبل الإفراج عنها في 31 من تموز الماضي، بالإضافة لاحتجاز زميلتها آية حميدي دون تهمة معلنة، بعد أن تم اعتقالها مع جميع أفراد أسرتها وضيف كان في المنزل، ثم أُفرج عن الجميع باستثنائها، واستمر احتجازها حتى أيلول الماضي.

“قسد” تعتقل عاملًا في منظمة أممية بالرقة

أخبار متعلقة :